Tuesday, June 23, 2009

شعب حشري

ما زلت أذكر بعض الأمور وكأنها حدثت معي اليوم صباحا وليس قبل صباح 20 عام انتقضت... وربما ما يساعدني على تذكر تلك الأمور ليست ذاكرتي القوية، انما كثر التكرار والذي طال ربما لمدة 12 عام متتالية، تتكرر فيها الأحداث يومياً (ما عدا العطل والأعياد الرسمية). أذكر تلك الجارة الأنيقة المعروفة في حينا وفي كل الأحياء المجاورة، ولو كان الفيس بوك موجود في تلك الأيام اعتقد بأنها لعرفت على مستوى الأردن!

قابلتها في كل يوم دراسي، كل يوم وفي تمام السابعة والربع صباحاً وأنا متوجه الى مدرستي، كنا نتقابل على باب العمارة، فتقبلني بتلك الشفاه المغموسة بأحمر الشفاه الفاقع بعد أن تصبح علي وتسألني نفس السؤال يومياً "بأي صف صرت؟"... بسبب إلحاحها على بذلك السؤال رجعت يوماً باكياً إلى أمي، لأنها جعلتني اعتقد بأن ترفيع الصفوف يتم يومياً وليس سنوياً! إلا أنني لم أستطع في يوم من الأيام التهرب من الإجابة، بل كنت أذبل بعدما تخدرني بتلك القبلة الناعمة وذلك الصباح الجميل وأرد بنفس الإجابة على نفس السؤال كل يوم، وبعد زوال مفعول المخدر وأعود إلى وعي كنت أتمنى لو أنيي صفعتها على وجهها كرد على ذلك السؤال الغبي...

استمر الحال على ذلك حتى وصلت إلى الصف التاسع، وبقيت هي تمارس نفس الطقوس اليومية وبنفس الموعد دون أي تغيير(القبلة الدافئة، الصباح اللطيف و السؤال الغبي!)... حاولت تحليل تصرفها معي بتلك الطريقة؛ ولم أجد في يوم من الأيام أي تفسير منطقي لتصرفاتها! اعتقدت عند بداية دخولي الى مرحلة المراهقة بأنها تتحرش بي جنسياً! الا أنيي وبعد أن نضجت قليلاً أدركت بأن ذلك مستحيل لأنها عجوز شمطاء وتسبقني بأجيال وبأن قبلاتها تلك بدأت معي منذ مراحل متقدمة من الطفولة وذلك ليس بمعقول أن تستدرجني منذ ذلك العمر!

استمر تحليلي لهذه الشخصية الغريبة، والتي اكتشفت مؤخراً أنها مجرد صورة طبق الأصل عن نسبة كبيرة من الشعب الأردني (ذكوراً وإناثاً)، فكلهم يتبعون نفس الأسلوب.... التخدير ثم الوصول الى ما يريدون! ولكل منهم طريقته بالتخدير، فبعض النساء تخدرك بقبلة، وآخرون بكلام معسول، والبعض تمل من كثرة كلامه فتتخدر وتنصاع لما يريد، وبالنهاية كلهم يريدون الوصول إلى نفس المعلومات.... فالصغير يكون نصيبه كالتالي: (شو طبخت أمك مبارح؟ وأبوك شو كان جايب بالكيس الأسود الكبير؟ وأخوك ليش طلع حافي اليوم الصبح؟ وأختك ليش ما نشرت الغسيل الأبيض على الأسطوح؟!) أما المراحل الأخيرة من المدرسة: (كيف دراستك؟ كم جبت بالرياضيات؟ بدك تجيب استاذ للفيزياء؟ كل موز كتير لأنه "بئوي" الزاكرة)! والجامعي: (صاحبت ولا لسا؟ لا ترد على البنات لأنهم بخربوا البيوت! في عندكم إيدز بالجامعة؟!) ولما تتخرج وتشتغل تبدأ المصيبة الحقيقية!!! (كم أعطوك راتب؟ مرتاح بدوامك؟ اخطب بنت المدير ودبر راسك معها! بعطوك حوافز واضافي؟! السيارة اللي جيبتها كاش ولا ربحتها؟!) وحشرية الشعب الأردني لا تتوقف ولله الحمد... حادث سير بسيط، تجد عشرات السيارات توقفت للمشاهدة وتحليل الحادث وتعطيل حركة السير! حريق في مبنى تجد مئات الناس تجمعوا للتصفيق لرجال الدفاع المدني واعاقة عملهم! واذا حاول أحدهم الانتحار يبدء الناس بالتجمع لتشجيعه على الانتحار وتحليل أسباب انتحاره!!!

لا أدري لماذا كتبت هذا المقال...! لكنني أتمنى أن اعود الى طفولتي كي أتلقى تلك القبلة المغمسة بأحمر الشفاه الفاقع من جارتنا العجوز الشمطاء (رحمها الله) والتي اكتشفت مؤخراً أنها لم تكن موظفة في يوم من الأيام كما اعتقدت انا وتصورت في مخيلتي... بل كانت تمارس هوايتها اليومية بشرب فنجان قهوة على الريق كل يوم عند جارة جديدة لتحصد مجموعة من الأخبار وتنقلها لباقي الجيران!

1 comment:

J-2-da-B said...

man... this must be your best one so far since you started this blog!